موجات العنف الأخيرة التي شهدتها منطقتنا العربية، والتي وصلت إلى ذروتها، مع تصاعد الاعتداء الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والاحتلال الأمريكي البريطاني لأرض العراق الشقيق،
يساهمان في تكريس ظاهرة العنف على جميع المستويات مما ينعكس مباشرة على العنف ضد المرأة في الأسرة ، الأمر الذي استدعى من المجتمعين إيلاء اهتمام خاص لأوضاع النساء في العراق وفلسطين.
في فلسطين
كشفت دراسة هي الأولى من نوعها أن العنف العائلي في المجتمع الفلسطيني تحول إلى ظاهرة تشكل تهديداً مباشراً وخطيراً لحقوق الإنسان وفي المقدمة حقوق الطفل والمرأة وكبار السن والمعاقين في الأسر الفلسطينية، وأدرجت الدراسة ما يزيد على العشرة أسباب لتفشي العنف العائلي الفلسطيني أبرزها الاحتلال الإسرائيلي والوضع الاقتصادي والوضع السكني والتخلف الاجتماعي وتدني المستوى التعليمي، كما استعرضت الدراسة مظاهر العنف العائلي التي تنوعت بين عنف جسدي ولفظي ونفسي وجنسي واقتصادي وسياسي.
وجاء في الدراسة التي أجرتها الباحثة مي نايف بعنوان الوقائية والعلاجية، إن ما يعانيه الشعب الفلسطيني من قصف واجتياح واعتقالات وتعذيب وتجريف للأراضي وهدم للمنازل واغتيالات يأتي في مقدمة الأسباب التي تؤدي إلى ممارسة العنف داخل البيت الفلسطيني، فالممارسات الصهيونية تفرز مشاكل أسرية واجتماعية على جميع أفراد الأسرة وتؤدي إلى نشوء أزمات يتم تفريغها على هيئة ممارسات أسرية عنيفة.
أما الوضع الاقتصادي المتدهور فأدرجته الدراسة كثاني سبب للعنف الأسري، فعدم مقدرة الأسرة أو نقص إمكانياتها في توفير حاجات أفرادها التي غالبا ما ينشأ بسببها صراع بين الزوج والزوجة لعدم القدرة على توفير احتياجات البيت.
وثالث أسباب العنف العائلي في المجتمع الفلسطيني هو الوضع السكني حيث تبين أن أوضاع السكن مثل ضيق المنزل وتكدس أعداد كبيرة من أفراد الأسرة في غرفة صغيرة واضطرار الصغار للبقاء طوال الوقت في الشوارع والأزقة الأمر الذي يترتب عليه الكثير من مظاهر العنف العائلي.
والسبب الرابع التي أوردته الدراسة هو نقص الوعي الاجتماعي بحقوق الإنسان وبخطورة الممارسات العائلية العنيفة على الجو العائلي ودور الأسرة في التنشئة الاجتماعية وغيرها.
والسبب الخامس انخفاض المستوى التعليمي والأمية، فافتقار الأبوين إلى الإلمام بوسائل التربية الحديثة يجعلهم يلجئون إلى العنف في التعامل مع أبنائهم عندما يخطئون، كما أن تفاوت المستوى التعليمي بين الزوجين ورفض الرجل لأن تكون زوجته في درجة علمية أعلى منه يخلق العديد من المشاكل.
والسبب السادس استمرارية بعض عناصر الثقافة السائدة والتي تميز بين الذكور والإناث وتؤيد فكرة الضرب والمراقبة.
والسبب السابع وجود حالات من المرض النفسي بين بعض أفراد الأسرة حيث يتميز بعض من يلجئون إلى العنف عموماً أو العنف العائلي على وجه الخصوص بسرعة الغضب وعدم التحكم في مشاعر الغضب وسرعة الانفعال بسبب ضغط نفسي متعدد الأسباب.
أما السبب الثامن فهو وجود نوع من صراع القيم بين الأجيال داخل الأسرة الواحدة حيث يتبنى الآباء قيماً تقليدية محافظة في حين يميل الأبناء إلى تبني قيم متحررة وبالتالي يميلون إلى التمرد ورفض قيم الآباء الأمر الذي يؤدي إلى نشوب الكثير من الخلافات التي ينجم عنها ممارسات عنيفة ضد أبناء الأسرة.
أما السبب التاسع فيتمثل في تعاطي المخدرات أو الخمور وإدمانها من أحد الأبوين الذي يسبب الكثير من المشاجرات العنيفة والاعتداء بالضرب نتيجة لتأثير المادة المسكرة أو المخدرة.
والسبب العاشر هو مشاهدة أشرطة العنف في التلفزيون وقد وجد أن الأطفال الذين يشاهدون أشرطة العنف غالباً ما يقلدونها ويكتسبون سلوكيات عدوانية.
والسبب الحادي عشر هو تقليد الأطفال للسلوك العنيف الذي يقوم به آباؤهم أو مدرسوهم.
جرائم لا تظهر في الإحصائيات الرسمية
وأكدت الدراسة أن لهذه الأسباب خصائصها النفسية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية وغيرها.
واستعرضت الدراسة مظاهر العنف العائلي من خلال الإطلاع على الحالات المسجلة في إحدى الجمعيات التي تقوم على رعاية ضحايا العنف في غزة وقد اتضح أن مظاهر العنف العائلي تنقسم إلى عنف جسدي ولفظي ونفسي وجنسي واقتصادي وسياسي وتتجسد في جملة من المظاهر من بينها العنف الظاهري مثل:
قتل الوليد صيانة للعرض متمثلا ذلك في الإجهاض، تحريض الصغار على الفسق والفجور، وبالإضافة إلى ذلك توجد العديد من الجرائم التي لا تظهر في الإحصائيات الرسمية وهي غالباً جرائم مسكوت عنها ويمكن الإشارة إلى نماذج منها في الحالات التالية:
تزويج البنت دون رضاها وذلك بأن تزوج الأسرة ابنتها من شخص لا ترغبه ولا يناسبها استجابة لبعض المظاهر الثقافية المتخلفة التي يجسدها المثل الشعبي القائل البنت يا تسترها يا تقبرها.
التهديد بتطليق الزوجة دون رضاها، كذلك حرمان البنات من مواصلة التعليم وذلك انطلاقا من اعتقاد خاطئ بأن البنت ليس لها إلا بيتها والاعتناء بزوجها وأولادها مستقبلا وحرمانها من العمل بعد تلقيها قسطاً من التعليم، الضرب المبرح للأولاد، الاعتداء الجنسي على البنات الصغيرات السن المرأة الطفلة.
وشددت الباحثة في دراستها إلى انه في كل الأحوال فإن أنماط العنف العائلي وممارسته الظاهرة والخفية لا يمثل نمطاً حياتياً للمجتمع الفلسطيني بقدر ما يمثل حالات فردية متوقعا حصولها في ظل المعطيات النفسية والذاتية للأفراد وفي ظل بعض المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فوجود الاحتلال الجاثم على الصدور والحصار والحرب والاجتياح يجعل الإشارة إلى تلك المشاكل على أنه نوع من الترف.
في العراق
منظمة هيومن رايتس واتش تنتقد إهمال الشرطة العراقية وقوات الاحتلال الأمريكية بالتحقيق بالجرائم الموجهة ضد المرأة.
أكدت منظمة هيومن رايتس واتش في تقرير من 17 صفحة أن انعدام الأمن في بغداد وفي المدن العراقية الأخرى يشجع على اغتصاب النساء وخطفهن، مثيرا الخوف لدى كثير من العراقيات وعائلاتهن، وذكر التقرير أن النساء والفتيات يسيطر عليهن الخوف الآن في بغداد ويفضل كثير منهن التخلي عن أعمالهن وعن الذهاب إلى المدرسة أو عن البحث عن عمل، مشيرا إلى أن من الضروري أن تصبح سلامة النساء أولوية ملحة حتى تشارك النساء في صوغ مجتمع جديد.
وأكدت المنظمة التي تحدثت عن 25 حالة جديرة بالتصديق لعمليات اغتصاب نساء وخطفهن، أن الشرطة العراقية لا تولي هذه الاتهامات سوى قليل من الاهتمام، وأن الشرطة العسكرية الأمريكية لم تفعل شيئاً حتى الآن لدرء هذه المخاطر.
السبت ديسمبر 01 2007, 03:27